خمسة أشياء تكون سبباً لدخول الجنة بإذن الله
1 بناء المساجد سبب لدخول الجنة
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال عند قول الناس فيه حين بني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم أكثرتم عليَّ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة". وفي رواية:"بنى الله له مثله في الجنة".([1])
"مثله": أي في الشرف والفضل والتوقير لأنه جزاء المسجد فيكون مثلاً له في صفات الشرف.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة".صححه الألباني في الترغيب (263).
"مفحص" أي: محل فحصها للتبيض والفحص الكشف والبحث.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى لله مسجداً يُذكرُ فيه، بنى الله له بيتاً في الجنة".الترغيب(264).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حَفَرَ بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حَرّى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاةٍ أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة".([2])"حَرّى":أي عطش وهي فعل من الحر تأنيث حران وهما للمبالغة يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش، كما في "اللسان".
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى مسجداً لا يريد به رياءً ولا سمعةً بنى الله له بيتاً في الجنة". صحيح الترغيب(270).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً عَلَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً وَرَّثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحته وحياته، تلحَقُهُ من بعد موته". صحيح الترغيب رقم (271).
فاحرص أخي المسلم على بناء مسجد ، لتنال هذا الأجر .
"فمن بنى لله تعالى" ، أي لأجله ابتغاء لوجهه " بيتاً" مكاناً يصلى فيه وتقييد البعض بالجماعة غير معتبر . قال الحافظ العراقي: ولا بد لحصول هذا الثواب من اسم البناء فلا يكفي جعل الأرض مسجداً بدونه، ولا نحو تحويطه بطين أو تراب ، ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه بل أمره كاف ، والأوجه عدم دخول الباني لغيره بأجرة ، وقضية إناطة الحكم بالبناء عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجداً والظاهر خلافه اعتباراً بالمعنى.انتهى. وتبعه تلميذه ابن حجر.
وفيه ندب بناء المساجد. قال النووي: ويدخل فيه من عمره إذا استهدم فيتأكد بناؤه وعمارته وإصلاح ما تشعب منه ويسن بناؤه في الدور والمراد بها كما قال ابن دقيق العيد القبائل . وفيه ندب كنسه وتنظيفه وتحريم تقذيره حتى بطاهر لأنه استهانة به .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن امرأة سوداءَ كانت تَقُم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت. قال:"فهلا آذنتموني؟" فأتى قبرها فصلى عليها".([3])"تقم المسجد":تجمع القمامة، وهي الكناسة.قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"في الحديث فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب،وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير".اهـ. فتح الباري.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :فائدة: قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص .اهـ.
ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص ، وإن كان يؤجر بالجملة.اهـ. الثمر المستطاب (1/457-458) .
2 رص الصفوف وسد فرجة في الصلاة سبب لدخول الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتاً في الجنة".([4]) والفرجة التي تكون بينك وبين صاحبك الذي بجانبك في الصلاة ، فمجرد أن تضع قدمك بجانب قدمه في الاصطفاف للصلاة تنال هذا الأجر، ونرى وللأسف من يبعد قدمه عن قدم صاحبه ، فاحرص أخي على الأجر والثواب العظيم، ورص قدمك مع قدم صاحبك.
3 غرف الجنة للذين آمنوا وصدقوا المرسلين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِرَ في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء ، لا يبلغها غيرهم ؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده،رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين".رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3256)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2831).
وفي رواية لهما: "كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء . البخاري كتاب الرقاق رقم (6556) .قال المناوي: الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة . "كما يتراءون": بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية، وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد الهمزة ، الكواكب في السماء ، يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض . "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون". أنتم يا أهل الدنيا فيها : الكوكب الدري ، بضم فكسر مشدداً نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره الغابر: بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والماد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى
فائدتان: إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض ، وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وأما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غارباً وبكونه طالعاً وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة : إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات
4 القتال في سبيل الله سبب لدخول الجنة
عن نعيم بن همار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة يضحك إليهم ربك ، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" صحيح الجامع (1107).
5 الذهاب إلى المسجد
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" .([5])
النـزل: ما يهيأ للضيف من كرامة عند قدومه.
قوله:"من غدا إلى المسجد"، وفي رواية "خرج"، وفي رواية "يخرج". وراح: أي ذهب ورجع، وأصل الغدو الرواح بغدوة والرجوع بعشية استملال في كل ذهاب ورجوع توسعاً ."أعد اللّه" أي هيأ "له نزلاً"، أي محلاً ينـزله، والنـزل بضمتين المحل الذي يهيأ للنـزول فيه وبضم فكون ما يهيأ للقادم من نحو ضيافة .فعلى الأول من في قوله : "من الجنة" للتبعيض وعلى الثاني للتبيين .
فنرجو من الذين يصلون في البيوت أن يحرصوا على الصلاة في المسجد، لأن المسجد يصنع الرجال ، قال الله تعالى :]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ[ .([6])
في الختام وبعد أن قرأنا هذا الكتاب،فعليك أخي الحبيب،كما عليك أختي الفاضلة أن تقدموا لأنفسكم خيراً وأن تتزودوا لهذه الأوقات
]وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[.البقرة الآية(197).
قال الله تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.سورة القصص(83)قال الشيخ السعدي:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ}التي أخبر اللّه بها في كتبه وأخبرت بها رسله،التي قد جمعت كل نعيم، واندفع عنها كل مكدر ومنغص،{ نَجْعَلُهَا} دارا وقرارا {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} أي: ليس لهم إرادة، فكيف العمل للعلو في الأرض على عباد اللّه، والتكبر عليهم وعلى الحق {وَلَا فَسَادًا} وهذا شامل لجميع المعاصي، فإذا كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض والإفساد، لزم من ذلك، أن تكون إرادتهم مصروفة إلى اللّه، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد اللّه، والانقياد للحق والعمل الصالح . وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة، ولهذا قال: {وَالْعَاقِبَةُ} أي حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر، لمن اتقى اللّه تعالى، وغيرهم وإن حصل لها بعض الظهور والراحة فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة، نصيب، ولا لهم منها نصيب.
والعاقل الكيس الفطن هو من عمل كل ما يقربه إلى الله، والذي ينظر في عمله فيصلح أعماله ويتوب عن المعاصي والذنوب، ويكثر من الخيرات والطاعات، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم. وعلينا إخوتي في الله أن نعلم أن الدنيا فانية زائلة مصيرها إلى انقضاء، فلا بد أن لا نحرص عليها وأن نجعل الآخرة في قلوبنا ولا تتعدى الدنيا أيدينا لأن عند الله هو خير وأبقى، قال الله تعالى:]وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف الآية (46) فاحرصوا إخوتي على صالح الأعمال ، وعلى هذه الأجور العظيمة وادخروا من الحسنات ماينفعكم في أُخراكم .
نسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أدائها،كما نسأله الإخلاص في القول والعمل .
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جهد المقل، وهذه مقدرتنا، فنسأل الله العظيم أن ينفع به المسلمين، وأن يكون زاداً يتزودون به في يوم الدين ... اللهم آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) رواه البخاري في كتاب الصلاة(450) ومسلم في كتاب المساجد برقم (533).
([2]) صحيح الترغيب (265).
([3]) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (458)،ومسلم في الجنائز برقم (956).
([4]) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1892).
[5]) ) أخرجه البخاري في الأذان برقم (662)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1522).
[6]) ) سورة النور الآية (36-37